17‏/05‏/2009

بعد الذهب


الشمس لا تغرق في بحارنا فقط تشرق فوق مياه آخرى.
ترحل بالزرقة تاركة أمر تلوين البحار للفراغ قليل الحيلة.
لا يملك سوى الأسود ليسكبه؛ لكن القمر أعانه ونثر الفضة فوق الكل إلا فضة. بنت الثلاثين العابسة.

****************************

انشغلت فضة بحبات الذرة المحروقة وباللعنات التي تجيد صبها فوق البائع.
لا يهمها الشمس ولا الزرقة ولا القمر....لا يعمل عقلها إلا إذا تعلقت الأحداث بزواجها المنتظر,
نظرا لعدم وجود رائحة زواج في الأجواء فقط احتراق الذرة فالافكار تسبح بتراخي وعشوائية
عن ماذا سترتدي غدا ومتى ستكويه وعن الوجبةالدسمة التي أكلتها و على وشك أن تقيأها.
رحل الجالس في مكانها المحبب على الكورنيش فاسرعت لتحتله.
لم تجد حبيبه حولها. شعرت بالاختناق من كشافات السيارات في الاشارة المخزّنة؛
كأن بينهم اتفاق مبيت لاظهار صورتها الباهتة.
حسمت قرارات عدة:
تلبس الجينز غدا حتى لا تكوي....

ترفع معنوياتها بالشيكولاتة...

تترك لهم المكان ليخنقوا غيرها.
رحلت وفُتحت الاشارة بجنيهان في يد العسكري.

******************************
لتدعي أنك قريب من أحدهم. اختبر نفسك بالقرب منه في مساحة كافية
تتيح لك رؤية الهم المدفون في حدقته والبثور في بشرته......و تحمل البقاء.
وجودك يمحي الهم بالتدريج. ستبقى البثور كما هي إلا إذا أقنعته أن يستخدم منظف جيد للبشرة
ولا عزاء في المرحومة ميزانيته والتي بؤدها يتسحب الهم من جديد.
لم يدعي أحد قربه من فضة. لا تظهر حدقتها جيدا لضيق عينيها؛
البثور لا تحتاج هذا القرب لتُرى. بالطبع تنتظر شىء أخر غير العزاء على دفن ميزانيتها حية.


*************************

بعد انتهاء اجتماع العملاء؛ ترتشف قهوتها بصوت وهي تتابع ريم كمسلسل رمضاني.
وفقا لقواعد الأمن الصناعي فضة ليست ريم. تنص كراسة الشروط على

(( أى أنثى لم تتزوج بعد فهي بنت))

وعليه عند وجود مشاريع زواج محتملة على مسافة لا تزيد على 10 أمتار في دائرتها المحيطة

(( يفضل ألا تُظهر البنت شعرها لاضفاء الغموض

و اتساع دائرة الامكانات المتاحة؛

فتكون محتملة لمن يريد الشعر الأسود أو الاصفر؛

المفرود أو المموج؛ عدم ظهوره يعني امكانية أن يكون جميعهم))

ريم الدبقة نصف محجبة تُظهر وتُخفي, خصلة سوداء مموجة, و أخرى صفراء مفرودة.

((يفضل ألا تفرج شفتيها عن 2 سم حتى لا يظهر نابيها.

لا يقلقها وجودهم بعد الزواج

سيكون ظهورهم مفيدا بالابتسام او بغيره))

ريم فرحة ببياض اسنانها؛ عرض متواصل تخطى ال2سم المتفق عليهم بمراحل.
تصدر صوت الصرير المعادل الموضوعي للضحك لكل من هب ودب.

((يفضل للبنت أن تجنب مشاعر حب الخير وافشاء الاحترام

المُطبقّة عمليا بالنصيحة

إذا وجهت لبنت أخرى على أن يكون للأخرى

أخ أكبر يبحث عن نصف أخر))


في حفلة خطوبة ريم عصرت على نفسها ليمونة وعلى محفظتها محصول بأكمله
لتشتري فستان يليق بمبرمجة كمبيوتر عزباء تبارك خطوبة زميلتها المفضلة دون ضغينة أو حقد.
هناك رأته ...لا دبلة إذن رجل....وليرحم الله حسين السيد الذي لابد أن الوحي
طبق على أنفاسه ب " انا عايزة من ده يا حزنبول انا عايزة من ده" عندما رآه.
لعيون ال"ده" احتفظت بنصائحها الغالية لنفسها.

*************************
الكلام يعافر في الدماغ؛ يموت نصفه على اللسان؛ تضحك الورقة على ما يقع منه في سطورها؛
بديله الدائم والمعبر "بلا...بلا...بلا". فقط القي لسانك في قاع فمك وانطق الباء.
فضة لا يوجد باسمها باء؛ لكن كلماتها دائما إصدار ال "بلا..بلا" لذا فهي تصمت كثيرا؛
خاصة إن الشرط الوحيد الذي لا تستطيع تطبيقه هو ذاك المتعلق بصوت البنت
((فلابد ألا يسمع على بعد 1 متر من موقع تحدثها))

؛ ومقياييس فضة 1 كيلومتر و لا تملك زر خفض للصوت.
مؤخرا تغاضت عن هذا الشرط لكون الشركة مدبلّة كأن أحدهم وزع قبل مجيئها بيوم دبل يمينا ويسارا

الأمر الذي منحها القليل من الحرية والكثير من الاحباط والشيكولاتة.

*******************************

الفكرة الوحيدة التي يحق لفضة تسجيل حقوق ملكيتها الفكرية عليها؛ هي أن اسمها سر نكبتها.
الفضة ليست ذهب. الفضة بعد الذهب...اختيار ثان؛ مستبعد؛ اكسسوار لا شبكة.
على الكورنيش في مكانها....يد ترفع المعنويات بالشيكولاتة؛ ويد تحمي عينها من الكشافات في انتظار الجنيهين.
اسندت ظهرها للبحر.
غرقت الشمس في مياه الأخرين.
زرعت بحارهم ذهب.
ملّ القمر بحرها؛
جمع فضته ورحل