
لا أفسر حالات الاعتصار المرهقة التي تصيبني كثيرا.
تلك التي أشعر بها كلما تذكرت المنازل المكدسة المتراصة. أسطح البيوت العارية من الألوان.
ملابس ساكنيها المتنافرة و بقايا أعشاش الطيور......
كل دلالات الإنسان المضاعف المتكاثر. الاعتصار الذي ينتابني لأصداء الأصوات البعيدة المتضاربة و للقديم .....
لقديم الشوارع و الأشياء....
للحاف المليء بالزهر و النوافذ القريبة من الأرض للصغار و الفجر و الحارات الجانية
و الشوارع السد و الأصدقاء القدامى.
لمدخل عمارتنا الواسع في المحطة و هواء البحر الشديد .
لتعثري على مزلقان المينى باص و للطرحة الزرقاء الخانقة. لكل الطرح الخانقة....
للنظرات العابرة و لرائحة الياسمين التي تغافل الكل و تبقي
لفضاء المساحات و العلاقات السريعة ....
لهزة رأس السائق صباحا بعد ما أقول
((البنزينة معاك لو سمحت))
للرجل الذي يكررها إن خرج صوتي ضعيفا......
و للعجوز الذي لا يسلم عليّ العجوز الجالس خلف البسكويت و تحت الشمسية على أول الشارع.
لسلالم أسنان المختصرة و روائح المكان المبهمة...
للدقائق القليلة بعد امتحان الشفوي لاتساع شارع البحر عند سيدي جابر
لشمس العصر في حجرة خالتي الضيقة و ملابس بناتها المطوية بعناية
لقرآن محمد رفعت في السابعة .....لرائحة دولاب جدتي بكل أنواع الصابون و جلبابها البيتي الفاتح.
لحواديت زمان و البطانية الثقيلة و الكوفرته الحمراء نضعهم على الأرض بعناية لأشاهد
The French kiss
You've got a mail
لضحكة أحمد و هو صغير و
التي يقلد بها جيم كيري في
Smoken
The mask
لمسلسل زيزينيا و أم كلثوم لسفر أبي حينها و بكائي لأنه لم يكن هنا و لأنه لا يحب الوداع......
لحكايات أمي عن يأجوج و مأجوج و المسيخ الدجال و لا إله إلا الله
التي يجب أن نقولها في القبر ليعلموا أننا مسلمون و لخوفي أن يتعثر لساني
لمدرس التربية الدينية الذي ألقى بالدبلة من النافذة فور دخوله الفصل و سألني
(( عاوزة تدرسي إيه؟؟)))
((computer science))
مسلسل الرقص على السلالم المتحركة كان يعرض حينها
لسكيتش تويتي الذي منحه لي لأنني حصلت على 8 و نصف من 10 في الامتحان أعلى درجة في الفصل......
لشعره المسوّي بعناية و أسنانه و أظافره السوداء من السجائر.......
آخرون كثر مروا علينا بأسنان و أظافر سوداء ....أهمهم مستر أحمد خفيف الدم الذي كان يترحم دوما على خاله.....
(و رحمة خالي لتقعدي... و رحمة خالي لتجاوبي.....و رحمة خالي لتطلعي الكراسة...))
عصرته لآذان المغرب الذي كنت اسمعه بخوف من خلف شيش حجرة المكتبة....
الحجرة التي أغلقنا شرفتها بعد أن صارت المرحاض العمومي لحمام الجيران....
الحمام الأبيض بريشة الناعم و أصحابه طيبي القلب .......نافذة مقابل أخيار
سيكون لطيفا لو تنازلنا عن كل النوافذ في مقابل أخيار من حولنا ...ابنتهم الكبيرة و اسمها الايطالي ...سلفيا....
و الوسطى صديقتي الرائقة و الصغير الذي ينادي الله و يدعوه بما يريد ...
أن يأتي العيد مبكرا هذا العام و أن توافق والدته على نزوله الحضانة بمفرده .....
الصغير الذي يأذن بلا معاد و يغني ...قول الله ...قول يا رب
عصرته لرؤيتك من بعيد لشعور الانتهاء الذي يصيبني كلما فكرت فيك
كأنني سأموت فور أمانك
كأنك النهاية ....كأنني في اللحظة التي أعرفك بها....أعرفك حقا
سيتوقف القلب و تتوقف عصرته على الأشياء
و الشوارع و الأصدقاء كأنه ينبض لينتظر
و أنا أكره الانتظار و الضعف