29‏/12‏/2012

رئة أمكم و آبائكم جميعا



حدث أننى أخبرتك بحظر التجول المفروض على النت ببيتنا، و أنك ضحكت كعادتك من استخدامى لمصطلحات غريبة . و بعدها ب 48 ساعة فرض على مصر كلها حظر تجول جاد، و لم يضحك أحدا من استخدامهم لمصطلحات غريبة و أمور أغرب في التعامل مع ما يخصنا ......
وقتها بدأت أنت ثورتك الصغيرة على الذات، و التي ملخصها كما فهمت أن تبتعد عنى و عن الشِعر ،و تعيد توزيع الشَعر على وجهك: مرسلا في اللحية،  محلوقا على الرأس . و لم أتأثر كثيرا،  و لم أبدأ أى ثورة على أى شيء.  فقط حصلت على ساعة نوم زائدة تلك التي كنا نستهلكها في حديث ممل،  أنشغل في معظمه بتقديم تبريرات عديمة الجدوى عن أفعال حياتية بسيطة ، كالحديث مع كائنات لديها قضيب أو الخروج من منزلنا بعد آذان المغرب . نمت أكثر و توقفت التبريرات لكن كما يبدو و في غفلة منى نمت بذور في نقطة عميقة في القلب. بذور لم أدرك حقيقتها إلا فيما بعد.....
أقف خلف ستارة في حجرة مغلقة. يجلس اربعينى بذقن نابتة خلف مكتبه ، يرسل إلى عبر هواء الغرفة تعليقاته السمجة
"البنت لازم يكون عودها ملفوف"
"جزء من جمال الست وسطها "
مساعدته في العيادة  معي خلف الستارة، تلف شريط حول خصري و تدون أرقام ، حول ساقي و تدون ، حول مؤخرتى و تدون ، في ثوانى تحولت من فتاة إلى أرقام بفصيلة دم تراكم الدهون من كل الأطعمة تقريبا ما عدا الكيوي و الأناناس،  و عليه ملخص الكشف أننى بنت منقوصة الجمال عليها الامتناع عن جميع الأطعمة لأنها تزيد الوزن و تبعدنى عن المنطقة الآمنة . و لأعيش على أن أتغذى على الكيوى و الأناناس كسكان هاواى الأصليين .
عند باب العيادة المساعدة التى لا أعرف مقاسات أجزائها، تخطف الريموت كنترول من يد مريضة منقوصة الجمال مثلي، لتغير الأخبار التي تتحدث عن مظاهرات عارمة في لبنان وتشاهد مسلسل تركى معاد و تنظر إلى ساقي بتفحص. أقاوم شيء يعتمل كالبذرة في نقطة عميقة من قلبي و أدير ظهري لوجودها المريب على الكوكب و أقرر أننى لن أدخل هذا المكان ثانية .....
كنت في الشارع يوم 28 يناير من العام 2011 المسمى بجمعة الغضب. لم تكن أول جمعة أغضب فيها و لا أخر واحدة . الغضب صديقى المخلص رفيق قلبي لم يتركنى. يتراكم داخلى ، و كنت _إن لاحظت ذلك_ اشرح لك مبرراته أم أنك لم تكن تستمع أصلا ؟؟؟!
في الشارع كنت اسير باجتهاد لأسبابي الغيرثورية بالمرة ، ليس سير الغاضبين على الطرف الآخر من المدينة، ليس سيرهم الجماعي و لا سيرهم الوطنى...أجاهد غضبا متحفزا لكل التعليقات التى تقولها السائرة إلى جوارى مجازا أمى. اصنع فقاعة هشة من أغانى عبئت بها الإم بي ثري. لم أكن استمع فعلا كنت اصبها لتصم العالم ، لكنهم مرروا من أمامى ، الغاضبون اصحاب السير الوطنى، يهتفون هتافات الحلم لا أتذكرها لكن خفقة القلب و تحرك البذرة صار جليا . تحولت بوصلة الغضب إلى اتجاه ما ....إلى تجاه غضبهم . لأول مرة اقف أمام تجمع إنسانى منطقى ،غير مفروض بسلطة دين و لا مجتمع . تجمع عشوائي بفكرة مشوشة كتجمعات الأفارقة حول النار لطرد اشباح مجهولة و كرقص المراهقين النزق كبديل عن متعة جسدية مؤجلة ..تجمع إنسانى أدمنته
كنت غاضبة تحاول فقد بضع كيلوجرامات صرت غاضبة سعيدة بوجود عدو واضح نسعى للنيل منه......
كعادة السائرة إلى جوارى مجازا أمى تحدث شرخا في الخيال . ترد باب الحلم و توقظنى
"لازم نرجع ابوكى حيعملى مشاكل"

اعود ثانية للطرف الاخر من المدينة . هم يتجهون نحو الغضب ، و أنا أعود للارقام الملصقة على الحائط التى تجعل منى فتاة بدينة. البذرة داخل قلبي اخضرت، تداعب الصمام عند الفتح و الغلق بأمل في انضمام قريب للسير الغاضب. إن لم يكن اليوم فالغد أو بعد الغد .....القادمون خرجوا و لم يأن أوان الرحيل .
عكس التظاهرة الكون يصير قفرا يزداد خلوا و كآبة . مرسيدس سوداء تطلق بوقها عاليا خلف فتاتين . اثنان في جسد متشابه غض و ممتلىء ببنطال جينز احمر و أخضر . السيارة مصرة هن سريعات ....نتخطاهم  و أمى تشعر بخطر غير مبرر،  الحياة تتوقف كلها إلا رغبة رجل في جسد غض .
الإم بي ثري يبث اغنيات عشق بشفافية محب خجول
طل من الليل و قالي ضووينى
لاقانى الليل و طفى قناديلى
لا تسألينى كيف استهديت كان قلبي لعندك دليلي
الغروب الشتوى حمل في كآبته صف عربات أمن مركزى ممتد لا يبحث عن هداية و هو يعرف وجهته . شعري المنحل أسفل الحجاب يضايق رقبتى يوترنى و يرفع من حرارة جسد يتلذذ بالبرودة كغواية . اخاف اطرافه المقصفة لا خوف من فضح الجمال، الخوف من كشف التقصف . أحاول ستره كل خمس دقائق . جوعى بعد المشي ، الغروب المكتوم بدون حمرة للشمس، سيري عكس التظاهرة .....كلها تصطدم بالبذرة في قلبي فينبض أسرع و تنفر عروق رقبتى.
و عمرى عشرة أعوام اقفز فوق سيجات غير متقنة الصنع . أتعثر، اخرج من اللعبة و أراقب . تلقى سوريا الصغيرة حجرها و تصيب، تقفز كبالينيرة محترفة بذيل حصان صبغته الشمس بنى،  و تزيح قصتها الناعمة عن الجبهة . تتبعها هاجر و تخطئه من مستطيل السيجة لقدم سوريا ، تصيح بألم " كسمك حمارة ما بتفهميش "
" ماما يعنى إيه اللى سوريا قالته؟ "
" اسمها ثكلتك امك ....يعنى يا رب تموتى ....حرام تقوليها ...لو قولتيها حتفضلى قصيرة طول عمرك "

لفحتنى رفرفة جناحى عزرائيل إنها ساعة الكثيرين...ساعة حانت و أنا أعود إلى بيتنا جائعة افكر في تقصف الشعر كارهة لجسدى القبيح ....
ماذا لو صرخت بصوت مرتفع " ابن القحبة "
حقيقة أنا لا أعرف لماذا هى كلمة بذيئة ....في اللغة قحبه تعنى كثيرة السعال  يعنى بالأساس التاريخ المرضي لرئة أنثى. ماذا قد يؤذي عساكر أمن مركزى مكدسين في سيارات كالبهائم، بعيدين عن منازلهم و أهلهم ، مأمورين بالقتل أن يعرفوا أنه و الآن على هذة الأرض أمهم تسعل  ؟
ربما علينا أن نهينهم بعمق لنجعل الأمر  شخصيا ، فلأصرخ بهم " كس امكم جميعا " لكن هكذا خلق الله كل النساء بكس/ بمهبل. ماذا سيضيرهم  أن نذكرهم الآن بحقائق تشريحية عن جسد الانسان ؟؟ لماذا لا نقول مثلا " عين أمكم و آبائكم جميعا "  " رئة امكم و آبائكم جميعا " ؟
صف السيارات لا ينتهى يتوجهون بنية القتل و أنا أنظَر على البذاءات. البذرة في قلبي تزيد الخوف على الغاضبين و الغضب من المجبورين ، من عددهم الهائل و تشابههم المخل .تخبرنى أن ثكلتك أمك أشد بذاءة من كسمها ،البذرة تنبض بحرارة شعرى على رقبتى و بشِعر تخليت أنت عنه
بشِعر يساندنى على استيعاب الثكل ...شِعر يتغنى بوله العاشقين و بهيام الذائبين المتورطين عاطفيا حد الوجد.......بحماس الغضب الذي يشعل بداخلى أملا في يوم سأسير فيه في ذات إتجاه الغاضبين
عرفت الهوى مذ عرفت هواك
و اغلقت قلبي على من عداك
و قمت أناجيك يا من ترى خفايا القلوب و لسنا نراك
احبك حبين حب الهوى وحب لانك أهل لذا
فأما الذى هو حب الهوى فشغل به فيك عمن سواك
و أما الذى انت أهل له فلست أرى الكون حتى أراك
فلا الحمد في ذا و لا ذاك لى
و لكن لك الحمد في ذا و ذاك   



ليست هناك تعليقات: