13‏/01‏/2009

من الأخر

مرت الساعات القليلة الماضية بثقل . شعر بالاختناق من انتقام الدقائق البارد. تتمدد وتتسع لتلتهم اعصابه المهترءة بذاتها.
لا تسعفه ذاكرته بكامل التفاصيل . بدت مهزوزة كفيلم سيء التصوير .
حاول أن يستجدي قوته ليثبت خاصة امام هؤلاء لكن نظراتهم الفاحصة قلبته وعرفت مداه .
اسعفته بقايا قوة أن يبقي نبضه تحت حد الصوت ؛ لكنها بدت في أذنيه قنابل مدوية تنفجر واحدة تلو الآخرى
تخللتها حشرجة من كتلة إلى جواره لرجل مقيد معه في حلقة حديد تكتم تنفسه .
(انت هنا ليه؟) .
حاول أن يخرج صوته طبيعا لكن حنجرته خانته ليبدو مجهدا مهزوما ومادة جيدة للسخرية

تلقفها كل من بالعربة ليخرج ما في جعبته من نكات لا تقال إلا هنا وكل منهم يتفاخر بخبرته وطول تمرسه ويحقّر من سذاجة الشاب وسبقته الأولى .
ارعبته الجملة فكر لو أنه اغمض عينيه وفتحها سينتهي الكابوس؛
ويجد نفسه في أى مكان أخر لكن الصورة لم تتغير كأنها احتلت عينيه .جلس امامه رجل بلحية نافرة فوقها سيجارة يطبق عليها بأسنانه الصفراء

ويتبادلها فى الخفاء مع أخر تطل عينيه للداخل .
عندما لمح العسكري تدخينهم نهرهم بتصنع تحول إلى نصح حميمي و صاحب العينين الغائرة يلكزه بواحدة مؤكدا أنها سادة .

الهدوء الذي اشاعته دورة السجائر بينهم ودخانها الكثيف غلف صورتهم امام عينيه واعطاها مساحة لتلتقط بعض المشاهد السابقة.
تذكر يديه وهي تضع المحمول في جيب الجاكيت الاسود وتمسك ملف منسق به اوراق انيقة حافظ عليها بمبالغة لم يتوقعها من نفسه.
تذكر بعدها أياد متتابعة امتدت للجاكيت الاسود كأنها تقتل حشرة.لكنه ليس حشرة فرجع للوراء قليلا لتضىء اللقطة بالتدريج.
حضر مبكرا قبل الميعاد بساعة و كالعادة وجد من سبقوه بدوا جميعا نسخ مكررة منه بدلة سوداء انيقة وذقن حليق وملف منسق.
ملامحهم مشوشة لكنها جميعا بعيون تجذبها الأرض على الدوام وتسترق النظر لما امامها.

موظف الاستقبال السمج كان ينظر بحيوانية لزميلتهم الغير محجبة وهى تقدم اوراقها ويعنف المحجبة بأن اوراقها غير مكتملة لتعمل في شركة محترمة.
ردت بجرأة_خسفت بامكانية وصول اوراقها الارض_ أنه مجرد موظف يجمع الأوراق لا يقيمها. لمحهم يضعون ورق نقدي داخل الملفات عند التسليم لم يدري أي فئة .
ظن نفسه كريما عندما وضع عشرة جنية لكنها الموظف من قلبه (التسعيرة من خمسين يا استاذ)

لم يناقشه واعطاه ما يريد .(اما انت بجح اوى كده بيحطولك الفلوس في الملف ليه!)
بالطبع كتمها وسمح لمن بعده بالمرور. اعاده المقيد إلى جواره بنغزه قوية في جنبه وهو يعزم عليه بنفس
لم يفكر واخذها بهدوء........ سحب............ اختنق ما بقى لديه من انفاس............ سعل بقوة وارتاح .
في المرة الثانية احرق مشهد ضربه ونفثه دخان معبأ باللكمات والمرارة والركل والزخم .
الآن يمكنه أن يضيف قدرته على التدخين بجانب بكالريوس التجارة تقدير جيد جدا الذي اقنعه بقدرته على التعامل بالأرقام والحسابات .

والانجليزية التي كرهها في الثانوي لكنه تحايل على الدورات التدريبية حتى انهاها .اجاد الايطالية من الدردشة. لم ينس دورات الحاسب لتكتمل الوجبة وتصبح دسمة
تستسيغها الشركات التي يتقدم للعمل بها.ظن أنها هلاوس ما بعد السيجارة الأولى عندما توقف البوكس أمام كنتاكي ليشتري العسكري للمراهق الذي يجلس امامه دون قيود.

بعد أن اخرج الفتى كارت ابيض قرأه العسكري؛ حمل اليه اعتذار الضابط عن عدم وجود مقعد خال في مقدمة البوكس وان بقائه هنا مؤقتا حتى يصلوا.
بدأ الشاب بالضحك وهو يصيح بصوت عال اخيرا افتكرت . الكارت هو السؤال والجواب هو مفتاح اللغز وحل السر . أخر من وصل الشركة لم يشبههم ولم يحمل ملف .
الكارت اوقف له الموظف واخرج المدير من مكتبه وفرقهم
وبختامية مستفزة(مروا بعد 6 شهور عشان النتيجة وتسليم الملفات ).

وكماء راكد متراكم خلف نسيج عنكبوت اندفع الشاب للتنفيس ليس إلا يعلم مسبقا ان صاحب الكارت اخذها وان كل هذه الطقوس للعرض؛
ورق سوليفان للدعاية . أراد فقط ملفه والخمسين جنية. لم يلتفت إليه الموظف فاقتحم مكتب المدير ولم يميز بعدها ايدي رجال الأمن من اوراقه المتناثرة تحت اقدامهم .
ليفيق في البوكس. دفع والده الكفالة وخرج إلى جواره كتلميذ مشاغب ازدحمت بصدره سنواته السادسة والعشرون وهى مازالت تدبر شؤنها بولى الأمر .
لم يجد المحمول و لا الخمسين جنيه . أعطى ما بقي من ملفه لوالده و مشي في الأتجاه المعاكس .
سأله ابيه ( على فين؟)
أخبره بجدية (ادور لى على كارت)

ليست هناك تعليقات: