17‏/01‏/2009

الهند

يطير العجوز عن الأرض في جلسته القرفصاء ويبقى عاليا.. يتمتم بتعاويذه ليهبط بسلام دون أن يستأثر بأنتباه الأشقر(دايف)
وهو يرمي بقروشه القليلة التي يلتقطها قرد يقفز من فوق حقيبته الرياضية ماركة اديدس .يسرع (دايف) في إثر صديقه الهندى مخلفا ورائه ضحكاته الساخرة
(القروش لقردك لأنه تذكرني وليس لك أيها العجوز) تحدث بهندية متلعثمة لكنها أوفت بالغرض.
لايريد أن يغيب صديقه الهندي(مارو) عن ناظريه .استطاع أن يعلّم الشوارع التي مر بها أثناء زياراته المتكررة للهند .
صورتها ذاكرته لتسعفه بتفاصيلها و كأنه أحد سكانها الأصليين.
إلا هذا السوق بمداخله المتعددة وبضائعه المختلفة. أفاعي تتحرك على انغام شرقية .
فتاة بجسد واحد ورأسين احداهن لا تضحك أبدا وتبشر بخبر سار والآخرى تضحك دوما وتحذر من شر قادم.
اقزام بشعور سوداء ناعمة طويلة ولامعة .يأتي السائح ليختار شعره المستعار بنفسه .
ينتقي قزم يقص شعره طواعية يغسلوه امام عينيه ويصففوه باروكة في الحال.
السحر يباع هنا كالخضروات والفاكهة ولكل سعره .يفضل الهنود قراءة الكف لدى كاهن المعبد ....ففي رأيهم الأصدق
ويحب السائحون الغجرية بخفة ظلها ودمعة الحناء الحمراء بين حاجبيها والتي تؤكد بمناسبة وبدون مناسبة أنها نقطة دم حقيقية
للحوت الأزرق الوحيد الذى زار الهند وخاتمها الفيروزي تقبله ليخبرها بماضي من يعجبها ستقرأ ما يدور بعقله كهدية مجانية على قراءة الكف.
تتجول الأرواح في الهند بكل أريحية .هناك من يخاف عليها فيمشي وامامه مكنسة يزيح بها الأرواح الحائرة التي سكنت اجساد الحشرات الصغيرة.
وهناك من يبيع حكاياتها واعذبهم الضريرة بصبيها ذو الوجه البرىء .لم يستطع احد مقاومة الشفقة التي تشمله عندما تستوقفه
لتحكي ...تتغنى بملحمة (المهابهاراتا) حيث كفاح السلالة العظيمة يصبرها على الهموم......
ما يوجد هُنا، قد يوجد في مكانٍ آخر
ما لا يوجد هُنا، لن يوجد في أي مكان آخر
تزعم أنها أخر أفراد السلالة وتلقنهم حكمة جدها الكبير كورو...فالنعمة الكبرى أن تصل الارواح للموشكا(التحرر)
لتفتش عن الأرثا (الغرض) الذي خلقت من اجله وحاول أن تحققه بالكاما(المتعة) لتصل للدارما (الحق) وهو الغاية.
تبقي الزبائن من حولها ......تقف وتسمع وتستمتع وتطلب المزيد,والمزيد دوما بمقابل... مال ..طعام...أى شىء مقبول.
من الشروط الواجب توفرها في من يدخل السوق ايمانه العميق بوجوده ونفسه فهناك من سيقنعه أنها ليست المرة الأولى له على الأرض
...أو لطيبة روحه استبدلت مع طائر الكنارى الأحمر فيجب أن تشتريه لتبقى روحه بالجوار
بالطبع لن يصدقه إلا عندما يسمع الطائر يدندن باغنيته المفضلة ويحدث الجميع بنبرة الحكيم بأحلى الجمل التى قرأها
وسيصل العجب قمته عندما يخبره بأسماء اصدقائه وترتيب اهميتهم فليحرص ألا يكون احدهم إلى جواره.
كل هذا السحر محى أى معالم ثابتة للمكان. اخبره صديقه الهندى بأنه لا سحر في الملامح الثابتة.
فعند أى مدخل للسوق يمكنك أن تجد من يطير ليبهرك و مع خروجك ستجد من يقنعك أنك فقدت روحك بالداخل .
يختلف الحضور قصرا وطولا رفع وسمنة وتبقى بشرتهم الداكنة بعيونهم الواسعة والساري ذى الألوان الزاهية
تذكرك أنهم جميعا هنود ورواج السحر في اسواقهم يأكد لك أنها لم تسمى بلد العجائب من لاشىء.
لحق الأشقر بصديقه وهو يخرج من السوق ويحثه على الأسراع ليصلوا لبيت ابيه فى الموعد المحدد.اخبره بلهجة هوليوودية (انها الليلة الكبيرة)
اعتبر الأمريكى الأشقر (دايف) الهندى (مارو) لغز من أول يوم شاركه السكن في شقتهم المأجرة بنيويورك .
مارو مهندس الكترونيات من اصحاب الوزن الثقيل يدلل الحاسب الآلى كطفل صغير وبالهدوء الذي واجه به حكيمهم غاندى الانجليز
ورشاقة اصابعه يلين اعقد الاعطال ؛على سيمفونيات موزارت ابتكر برامجه التي جعلته ماركة مسجلة لأى شركة يعمل بها .
يقضى وقت فراغه مابين التأمل باليوجا والتسكع في حانات نيويورك الصاخبة . .دايف عرف أن لغز مارو منبعه أصله .
الهند الذي يكفي ذكرها امام مارو فلا ينقطع الحديث بينهم. يبدأ كالعادة بالتندر على أحد المآسي التي تقدمها بليوود
والأغاني التي يشدوا بها البطل كل نصف ساعة ؛إلى الحكيم الهندي طاغور الذي قال.. لا يهمني من يحكم شعبي مادمت أنا الذي أكتب أغانيه ؛
للمهاتما غاندي الذي يهمه بالطبع من يحكم .لحكم القوة والاقتصاد المسيطر على العالم وثقافة الأهيمسا (ahimsa)او اللاعنف الغير مجدية
لعقلية دايف وهو يسأله بتهكم كيف سيمنع صمتي الطلقات أن تمزق جسدي؟!........ليتمسك مارو بأقصي درجات الاهيمسا وهو يؤكد نجاحها
فالهند الآن دولة مستقرة .....وبخلطة مناظرات الأنتخابات الأمريكية يصعّد دايف الأمر إلى أن أختلال موازين القوى كان اتجاه الفترة
وبداية اثبات امريكا لوجودها و عدم استقرار الأمور في انجلترا ذاتها ليأتي اليوم لتغيب الشمس عن أراضيها
ولا يعني ذلك أن تكون سياسة اللاعنف هى السبب.ويظل مارو متشبثا بمسيرة الملح كمثال على جدوى الاهيمسا فبدون ضربة واحدة
استطاع غاندى أن يثني بريطانيا عن احتكارها لتصنيع الملح لتكون معاهدة نيودلهى وقتها شاهد أن البحر للجميع فليستخرجوا منه ماشاءوا .
لينتهى حديثهم عن الديموقراطية التي اثبتت مرونة لتطبق في دولة كالهند بها نسبة أمية عالية.كان يدافع مارو في البداية وينبهه باستمرار
إلى المهندسين الهنود المطلوبيين بشدة في بلده وان الهنود شعب يحاول ويصنع الفرص.واخر هذه الفرص التي توصلوا لها هو اطلاق الصاروخ
والذي لاجله جاء ماور و دايف اليوم للهند ليشهدوا هذا الحدث الهام مع أسرته. استقلوا الحافلة ليصلوا سريعا وفي طريقهم إلي قرية أبيه اوقفت الحافلة
بقرة تستجم ولا يستطيع احد تحريكها ليضحك دايف من أم العجائب التي يُحرم احد عباقرتها من متابعة اطلاق الصاروخ الاول بسبب بقرة

هناك 3 تعليقات:

محمد حلمي مخلوف يقول...

طبعا انا شفت القصه دي قبل كده بس مكانتش كده انتي عملتي فيها تعديل كبير
للاحسن طبعا
من مميزات القصه دي انها فيها انسيابيه كبيره ماحستش اني بانتقل من مشهد لمشهد
بس فيها حاجه بسيطه انت ليه كنتي مصره علي كلمة الهندي والامريكي بالرغم من انك معرفاهم باساميهم هل لهذا الاصرار علاقة بالدلالة

Dr. Ibrahim يقول...

رحلة الى الهند فى سطور بطريقة ممتعة وشيقة..
مرورا بجزء من تاريخها..وياليتنا نتعلم من المهاتما غاندى ومسيرة الملح فى المقاطعة الحالية مما يدل أن المقاطعة لها اثر كبير..
ونتعلم عدم التخلى عن الهوية فيقول غاندى: أريد أن أفتح شباكى لتهب الرياح من جميع أنحاء العالم ولكن بدون أن تقتلعنى من جذورى ..

ويجب أن نتعلم أن الهند اصبحت من كبار الدول فى التكنولوجيا ..
حيث اصبح المواطن الأامريكى يخاف أن يتصل بشركة مايكروسوفت ليرد عليه شخص هندى وليس امريكى..

تحياتى لكم
تحياتى لك

كلام وخلاص يقول...

محمد حلمى : منور دائما....

*******************************
دكتور ابراهيم:
مداخلة جيدة حقا وفعلا انا كنت اقصد كده تجربة الهند تستحق اننا نتابعها فكرة ارتفاع نسبة الامية ونجاح الديموقراطية ...بلد فيها كل عوامل الاختلاف وكل الصراعات العنصرية الدينية والعرقية وقدرت توصل لشىء فى كل الهوجة دى اعتقد ان ده امر يستحق اننا نفكر فيه

اشكرك على المتابعة
وبتسعدنى دايما زيارتك